-A +A
خالد طاشكندي (جدة)
@Khalid_Tashkndi



علمت «عكاظ» من مصادر موثوق بها أن إحدى كبرى الجامعات السعودية فتحت تحقيقاً حول شبهة تورط أحد الأقسام الجامعية في فبركة نتائج اختبار تحريري للمفاضلة على وظيفة «معيد» بعد ترشيح القسم لأربعة جامعيين في التصفية النهائية من بين أكثر من 1700 متقدم، وتسببت نتيجة الاختبار التحريري -الذي لم يختبره أحد- بحسب تأكيدات المرشحين وعدد من أعضاء هيئة التدريس وأيضاً لجنة التعيينات، في حصول المرشح الثالث على الوظيفة وحرمان الأول من حقه النظامي في الحصول عليها.

اللوائح ليس بها اختبار تحريري

وتعود تفاصيل القضية إلى العام الماضي 1437، حين أعلنت إحدى الجامعات عن فتح باب الترشيح لوظيفة «معيد» في أحد التخصصات بإحدى الكليات، وتقدم للوظيفة الشاغرة مئات الجامعيين ممن تنطبق عليهم الشروط، وأقر حينها مجلس القسم المعني في الكلية جلسة موثقة بمحضر اجتماع وبتاريخ 25/‏‏‏12/‏‏‏1437 تحتفظ «عكاظ» بنسخة من المحضر)، بتشكيل لجنة للتعيين مكونة من 9أعضاء من هيئة التدريس بالقسم، ورشحت اللجنة 18 متقدما في المرحلة الأولى، ثم تقلص عدد المرشحين في المرحلة النهائية إلى أربعة فقط، علماً بأن المفاضلة بين المرشحين الأربعة الذين وقع عليهم الاختيار تم بناء على نتائج المقابلة الشخصية والمعدل التراكمي ثم أضيف إليها نتائج «اختبار تحريري» ما أثار الشكوك والشبهات، كون معايير القسم لا تشترط إجراء اختبار تحريري، وهذه المعايير مسجلة لدى مجلس الكلية ووكالة الجامعة للدراسات العليات، وهي الجهة التي تعتمد توصيات التعيين المرفوعة من قبل مجلس الكلية، وإضافة نتائج هذا الاختبار التحريري أهدت صاحب المركز الثالث الحصول على الوظيفة.وأكدت المصادر أنه عندما وصل ملف الترشيحات لإدارة الجامعة أصبحت قائمة المرشحين مقلوبة رأسا على عقب، إذ أصبح المرشح الثالث في توصية القسم هو المرشح الأول، والمرشح الأول هو الثالث، إذ حصل المرشح الأول على 85% وحصل المرشح الثالث على 90%. وحسب الوثائق المرفقة لإدارة الجامعة، يتضح أن سبب تغيير ترتيب المرشحين هو درجة «الاختبار التحريري»، ولا يوجد اختبار تحريري في عملية المفاضلة بين المتقدمين لوظيفة «معيد» بحسب ما تنص عليه اللوائح، لا على مستوى القسم، أو الكلية.

لم يختبر أحد

ومن جهة أخرى، أكد باقي المرشحين للوظيفة لـ«عكاظ» أنهم لم يقدموا أي اختبار «تحريري» من الأساس، وهو ما أكده أيضاً عدد من أساتذة القسم وأعضاء لجنة المفاضلة وأعضاء مجلس الكلية بأنه لا وجود لأي اختبار تحريري ضمن الإجراءات التي اتخذوها في مفاضلة التعيين.وبعد تقصي الحقائق حول الوثائق التي تحصلت «عكاظ» عليها (تشير إلى أن المفاضلة تمت بناء على نتيجة «اختبار تحريري»)، أكدت المصادر لـ«عكاظ» أن الوثيقة التي أدخلت فيها نتائج الاختبار التحريري هي عبارة عن وثيقة إلكترونية لبيانات نتائج الطلاب ويتم تسجيلها إلكترونيا عن طريق مسؤولي القسم الأكاديمي في الكليات كما أن صلاحيات إدخال النتائج محدودة لرؤساء الأقسام فقط أو من ينوب عنهم.

وبالتالي فإن وجود معيار الاختبار التحريري معيارا للمفاضلة بين المتقدمين يعد مخالفة نظامية، بل قد يصل الأمر إلى درجة التزوير، إذ لا وجود للاختبار التحريري على الإطلاق ولم يأخذ المرشحون أي اختبار تحريري أثناء المفاضلة، وإنما يبدو أنها مفاضلة أدخلت بغرض تعيين الثالث وحرمان الأول من حقه النظامي.

رئيس لجنة التعيين:لا نشك في نزاهة الأعضاء

أكد رئيس لجنة التعيين لـ«عكاظ» عدم شمول التقييم تقديم اختبار تحريري، مبدياً استغرابه الشديد من النتائج المرفقة في الوثائق المرفوعة إلى إدارة الجامعة والتي أرفقت فيها نتائج اختبار تحريري لا علم له به، على حد قوله.

وقال إنه لا شك لديه في نزاهة الأعضاء، مشيراً إلى أن الوثائق التي تظهر فيها نتائج اختبار تحريري ربما أدخلت من قبل جهة أخرى وليس من داخل القسم، وأن الحالة غريبة وأنه سيبحث في الملفات لمعرفة من أين أتت تلك النتائج وكيف أرسلت إلى إدارة الجامعة، إلا أنه لم يوف الصحيفة بأي نتائج.

أعضاء من لجنة التعيين لـ «عكاظ»: لا وجود لاختبار تحريري ولا نعلم عنه شيئا

تواصلت «عكاظ» مع أربعة من الأساتذة أعضاء لجنة التعيين وهم أيضاً أعضاء هيئة تدريس في القسم المعني بهذه القضية، وأكدوا جميعاً أن المعيار المعتمد لديهم هو اختبار المقابلة الشخصية والمعدل التراكمي، وأنه لا وجود لأي اختبار تحريري في القسم.

وبعد اطلاع أعضاء اللجنة على صورة وثائق النتائج التي يتضح فيها نتائج اختبار تحريري لكل مرشح، نفى أعضاء اللجنة معرفتهم بهذه النتائج التي تشير إلى وجود اختبار تحريري، مؤكدين أنهم لم يشاهدوا هذه الوثائق من قبل وأنهم اكتفوا فقط باختبار المقابلة الشخصية وجمع النتائج ورفعها لرئيس القسم والذي بدوره يقوم برفع النتائج إلى مجلس الكلية لاعتمادها ثم ترسل التوصيات النهائية مع النتائج إلى وكالة الجامعة للدراسات العليا لاعتماد التعيين.

وتكشّف لـ«عكاظ» أن غالبية أعضاء مجلس الكلية هم أيضاً أعضاء في لجنة التعيين.

.. ومصادر لـ «عكاظ»: النتائج أدخلت ألكترونياً

كشفت مصادر لـ«عكاظ» أن وثائق نتائج المتقدمين على وظيفة معيد والتي تظهر فيها نتائج الاختبار التحريري والمقابلة الشخصية والمعدل التراكمي، أدخلت عبر النظام الإلكتروني للجامعة من داخل القسم، وأن صلاحيات الدخول للنظام محدودة في رئيس القسم أو من ينوب عنه.

عميد الكلية يتوعد مسربي «الوثائق» ويؤكد: اعتدنا على هذه الشكاوى

قال عميد الكلية التي وقعت فيها ملابسات القضية لـ«عكاظ» إنه اعتاد تسلم تظلمات غير موضوعية وغير حقيقية من المتقدمين الذين لم يحظوا بالترشح للوظيفة، «وتصل أحياناً للتشكيك في اللجان ونزاهتها وهو أمر غير مقبول».

وعندما أوضحت الصحيفة أنها لم تتسلم في بادئ الأمر شكوى من الجامعيين المتقدمين على الوظيفة، أكد عميد الكلية أنه سيتحقق من مسألة إضافة نتائج «اختبار تحريري» وما إذا كان لم يقدم هذا الاختبار من الأساس، مضيفاً أنه سيخطر الصحيفة بكامل الملابسات في غضون أسبوع، إلا أن الصحيفة لم يصلها أي شيء بالرغم من انقضاء المدة التي وعد بها عميد الكلية الإجابة على تساؤلات الصحيفة.

المتقدمون على الوظيفة يؤكدون: لم نختبر تحريرياً!

تواصلت «عكاظ» مع عدد من المتقدمين على وظيفة «معيد» ممن بلغوا المرحلة النهائية في المفاضلة، وأكدوا جميعاً أنهم لم يقدموا أي اختبار تحريري، وأن الإجراء الوحيد الذي تم هو المقابلة الشخصية.

وأوضح اثنان من المتقدمين أنهما لم يعلما عن هذا الموضوع إلا بعد أن أتاهما اتصال من أحد المسؤولين في الجامعة يسألهما عن أدائهما في الاختبار التحريري فأجاباه بدهشة واستغراب: «عن أي اختبار تتحدث»، وهو ما أثار شكوكهما حول طريقة المفاضلة.

وأكد أحد المتقدمين عزمه على تقديم شكوى رسمية إلى إدارة الجامعة قريباً لمعرفة كيف تم تقويمه وإبعاده من الترشح بناء على اختبار لم يتم.

محامٍ لـ «عكاظ»: شبهات في 3 مخالفات قانونية وتصل إلى السجن



أوضح المحامي والمستشار القانوني أسامة يماني بعد الاطلاع على حيثيات القضية أن هناك شبهات حول ثلاث مخالفات جميعها تستدعي التحقيق، الشبهة الأولى هي الخروج عن القواعد والأنظمة واللوائح المتبعة، وهذه الشبهة تستوجب التحقيق الإداري، وإذا ثبت أنها خروج عن الأنظمة نتيجة «اجتهاد خاطئ» فهذه مخالفة إدارية للأنظمة تقدر عقوبتها بحسب جسامة الخطأ وبحسب الإجراءات واللوائح المتبعة في الجامعة، إذ قد يحال المخالف إلى إدارة الكلية أو إدارة الجامعة وهناك قد تشكل لجنة إدارية للنظر في اتخاذ العقوبة الإدارية المناسبة بحسب حجم الخطأ والضرر الذي أحدثه، وبالتالي قد تراوح العقوبات من مجرد «لفت نظر» أو «الحسم من الراتب» وقد تصل إلى حد الفصل، ومن الممكن أيضاً أن تحال من قبل الجامعة إلى هيئة التحقيق والادعاء العام ثم ترفع إلى القضاء وينظر فيها القاضي كعقوبة تقديرية بحسب نوع وجسامة الخطأ.

وأضاف: أما إذا كانت هناك شبهة وجود «محاباة» فهذه مخالفة للقانون تستوجب التحقيق، وفي حال ثبت وجود المحاباة لأحد المترشحين للوظيفة، فهذه تعد جريمة وقد تصل عقوبتها إلى السجن، ولكن لا توجد لها عقوبة ثابتة وإنما تترك بحسب تقدير القاضي.

ملحوظة: «عكاظ» تحتفظ بجميع الوثائق ومستعدة للتعاون مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد